كان
القمر غاطساً في السحاب وكان يتدارى .. وكان يطل ... حين يطل ..وجلا .. صغيرا
..متآكلا ..مغبرا ..لم يكن يفرش المكان
بالنور .. وانما بالاسى والشحوب .
كانت
الاجساد مشبوحة فوق حمالات التعذيب .. وكان المطر يرخ ..وكانت الاجساد تشلب دماً
وماء .. وكانت السياط تشق الهواء وتعوي .. تلمع في المطر وتعوي وكانت الصرخات
تتساقط مفزوعة في الوحل وتتلوى
كان
الانين ذلك لا يصدر عن فم وانما عن شهقة
الجسد – متواصلا .. خشنا .. متحشرجا ... مخنوقا كأنه تنهد الارض .وكان هو معلقا
يتأرجح ..رأسه الى اسفل .. ويداه ورجلاه
الى اعلى وكانت اربطة الشاش قد تطايرت
والجرح قد انفتح والجلد قد تهرأ وكانت السياط ما تزال تهوى .. لكن الوهن بدأ يدب
.. فاستطاع ان يرفع جفنيه وان يرى .. واستطاع ان يلحظ .. واستطاع ان ...
وفكوا
وثاقه فهوى عل الارض والسياط عليه .. انهض
.. لم يكن قادرا .. انهض ... لم يكن قادرا
..
تلاطم على الارض .. انهض ... انكفأ ..
انهض ... تلاطم .. انهض ... وارتفع الحذاء .. انهض .. ودق رأسه ... انهض
.... واندفع الدم .... انهض .. قانياً ...
انهض .. لزجاً دافئا ً .. انهض ..
و...
لم ينهض ..
انتفض
الجسد .. تقلص .. تموج بالرعشات ..
ثم انفرش ساكناً ..... وكان القمر غاطساً
في السحاب ؛ وكان يتدارى .. وكان الحذاء
... يرتفع ويهوى ... ويرتفع ويهوى
... ويرتفع ويهوى ...
*****
كان الوهن قد اصاب امه في الصميم فأقعدها عن الحركة لكن عينيها لم تكف عن تسلق الحائط كل لحظة ..
والارتماء على صورة ابنها والاجهاش بالبكاء ..
كان انينها لا ينقطع طول الليل ...
كان انينها هو ذلك الصوت الوحيد ..
الدائم .. المنتظم .. الذي يتردد مع انفاسها
زفيراً وشهيقاً ..
لكنها ذات ليلة سمعت آنينا اخر لم يصدر عنها ... يتردد فى حجرتها
فى الاول كان الانين خافتاً .. كأنه
ازيز حشرة تغرق ... لكنه مالبث ان ارتفع .. استندت على كوعها .. ومدت اذنيها ..
كان الانين واضحاً .. كتمت انفاسها .. كان الانين فعلا لا يصدر عنها ..
وانتشرت
عيناها تتسع .. تبحث .. تتحسس .. واحست ان الانين يخرج من تحت سريرها .. انكفأت
تحت السرير واللمبة فى يدها والرقبة ممدوة .. واللمبة ممدودة وال .......
وارتعبت ..
كااان الانين
فعلا يخرج من تحت سريرها ..
اقتربت ..
كانت صرة ملابس ابنها التى سلموها لها تحت
السرير تنتفض ..
اقتربت وكانت
تتمسح فى الحائط مرعوبة .. وكانت تتقلص من الالم ..كان الانين يخرج منها متواصلاً ..متحشرجاً .. مخنوقاً ..
و.. صرخت
وارتمت على الصرة تحتضنها في فزع ..
من المجموعة القصصية
صراع
للكاتب / صلاح عبد السيد
جريدة الاخبار
12/4/1978
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق